فَمَنْ حَاجَّكَ: خاصمك و جادلك بأمر يا محمد.
فِيهِ: في عيسى.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: بأنه عبد اللّه و رسوله.
فَقُلْ تَعالَوْا: قرأ الحسن و أبو واقد الليثي و أبو السمّاك العدوي: تَعالُوا بضم اللام، و قرأ الباقون بفتحها و الأصل فيه تعاليوا لأنّه تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضّمة على الياء فسكنت ثم حذفت و بقيت [اللام على محلّها و هي عين الفعل] (سقط في أصل المخطوط) ضم فإنّه نقل حركة الياء المحذوفة التي هي لام الفعل إلى اللام.
قال الفرّاء: معنى تعال كأنّه يقول ارتفع.
نَدْعُ: جزم لجواب الأمر و علامة الجزم فيه سقوط الواو.
أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ: و قيل: أراد نفوسهم، و قيل: أراد الأزواج.
ثُمَّ نَبْتَهِلْ: نتضرّع في الدّعاء. قاله ابن عباس.
مقاتل: نخلص في الدعاء.
الكلبي: نجهد و نبالغ في الدّعاء. الكسائي و أبو عبيدة: نلتعن بقول: لعن اللّه الكاذب منّا، يقال: عليه بهلة اللّه، و بهلته: أي لعنته.
قال لبيد: في قدوم سادة من قولهم نظر الدهر إليهم فابتهل.
فَنَجْعَلْ: عطف على قوله: نبتهل.
لَعْنَتَ اللَّهِ: مصدر. عَلَى الْكاذِبِينَ: منّا و منكم في أمر عيسى،
فلمّا قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الآية على وفد نجران و دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع و ننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غدا. فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب و كان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال:
و اللّه يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، و اللّه ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم و لئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلّا البقاء لدينكم و الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل و انصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قد غدا رسول اللّه محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي (رضي اللّه عنه) خلفها و هو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، و أن نتركك على دينك و نثبت على ديننا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، و عليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإنّي أنابذكم بالحرب. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة و لكنّا نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفا في صفر و ألفا في رجب. فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على ذلك. و قال: و الذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران و لو تلاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا، و لا ستأصل اللّه نجران و أهله حتّى الطير على الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا.